على مر التاريخ، لعبت الصدفة والأخطاء دورا هاما في تغيير حياة البشر فبفضلها حققت الإنسانية تقدما واكتشافات مذهلة ساهمت غالبا في تحسين حياة الناس، وسجلها التاريخ بأحرف من ذهب.
وإضافة للبنسلين الذي اكتشف صدفة من قبل الاسكتلندي ألكسندر فلمنج، وفرن الميكروويف الذي ظهر بنفس الطريقة بفضل المخترع الأميركي بيرسي سبنسر، والقارة الأميركية التي اكتشفت عقب خطأ حسابي، كان البشر خلال خمسينيات القرن الماضي على موعد مع اختراع مذهل وفريد من نوعه أنقذ خلال العقود التالية ملايين الأرواح بفضل تجربة قادها المهندس الأميركي ويلسون غراتباتش (Wilson Greatbatch).
ولد غراتباتش يوم 6 أيلول/سبتمبر 1919 بمدينة بوفالو (Buffalo) بولاية نيويورك لعائلة من المهاجرين البريطانيين، الذين استقروا بالولايات المتحدة الأميركية. والتحق بمدرسة ويست سينيكا (West Seneca).
كما شارك بالحرب العالمية الثانية قبل أن ينضم فيما بعد إلى جامعة كورنيل (Cornell) حيث درس الهندسة الكهربائية فتخرج عام 1950، ليباشر بعدها بعامين التدريس بجامعة بوفالو.
خطأ فملاحظة فاختراع
وأثناء مسيرته العلمية، قدّم ويلسون غراتباتش العديد من الاختراعات إلا أن أهمها جاء عام 1956. فأثناء محاولته ابتكار جهاز لتسجيل نبض القلب، أخطأ المخترع ويلسون غراتباتش ووضع مكونا إلكترونيا آخر بدلا من المقاوم الكهربائي.
وبدل تسجيل النبض، أحدث الجهاز، الذي ابتكره غراتباتش، أثناء تجربته نبضات إلكترونية شبيهة بتلك التي أحدثها القلب.
ومع متابعته لهذا الجهاز عن كثب، لاحظ المخترع الأميركي نوعا من النبض شبيها بذلك الذي أحدثه قلب بشري سليم، فتساءل عن إمكانية استغلال هذا الإختراع لمساعدة قلب غير سليم للحفاظ على معدل ضربات قلب طبيعي عن طريق توجيه صدمات لتحفيز عضلات القلب وضخ الدم بشكل كاف للجسم.
خلال الفترة التالية، عكف ويلسون غراتباتش على تطوير هذا الاختراع لجعله أصغر، آملا بأن يحوّله لناظمة قلبية اصطناعية صغيرة قابل للزرع بداخل الجسم.
أول ناظمة قلبية اصطناعية
وبحلول شهر أيار/مايو 1958، جرّب هذا المخترع الأميركي ابتكاره بشكل ناجح على كلب، مساهما بذلك في ظهور أول ناظمة قلبية اصطناعية تزرع داخل الجسم بالتاريخ.
سنة 1960، تمت لأول مرة تجربة اختراع غراتباتش على إنسان، حيث زرعت الناظمة القلبية الاصطناعية داخل جسم رجل مريض يبلغ من العمر 77 عاما. وبفضل ذلك، تمكّن الأخير من العيش 18 شهرا قبل أن يفارق الحياة.
وبعد عامين من هذه التجربة، حصل المهندس الأميركي ويلسون غراتباتش على براءة هذا الإختراع الذي أنقذ طيلة العقود التالية حياة ملايين البشر.
إلى ذلك، أسس ويلسون غراتباتش سنة 1972، مؤسسة Wilson Greatbatch Ltd التي عملت على إنتاج مكونات الناظمة القلبية الإصطناعية وعدد من المواد الطبية الأخرى.
إضافة لذلك، واصل هذا العالم الأميركي أبحاثه في مجالات عديدة أخرى كالطاقة المتجددة ومرض الإيدز.
وأثناء مسيرته، حصد الأخير العديد من الجوائز كانت أبرزها القلادة الوطنية للتكنولوجيا والابتكار التي منحها إياه الرئيس الأميركي، جورج بوش الأب.