خلال الفترة الأخيرة التي تلت حادثة مقتل الأميركي جورج فلويد على يد رجال الشرطة بمدينة مينيابوليس يوم 25 أيار/مايو 2020، أقدم عدد كبير من الأميركيين الغاضبين على مهاجمة وتخريب النصب التذكارية، المنتشرة بمختلف مدن البلاد، التي ارتبط أصحابها بالعبودية. وقد طالت عمليات التخريب نصبا تذكارية لشخصيات تاريخية ومهمة بتاريخ الولايات المتحدة الأميركية كجورج واشنطن وتوماس جيفرسون وأندرو جاكسون حيث اتهم هؤلاء بامتلاك عبيد أثناء حياتهم خلال فترة سبقت بعشرات السنين إجهاض العبودية.
إعلان الاستقلال والتمثال
إلى ذلك، يعود تاريخ مهاجمة وتخريب النصب لقرون مضت حيث اعتاد الأميركيون على هذا الأسلوب أثناء فترة استقلال البلاد عام 1776 للتعبير عن رغبتهم في إنهاء الوجود البريطاني فلجؤوا لإسقاط تماثيل الملك جورج الثالث وأحرقوا اللوحات الزيتية التي جسدته بمختلف أرجاء المستعمرات الثلاث عشرة.
وتعود وقائع إحدى أشهر عمليات تخريب النصب التذكارية ليوم 9 تموز/يوليو 1776 بمدينة نيويورك. فخلال ساعة مبكرة من الصباح، حلّ الجنرال الأميركي جورج واشنطن مصحوبا بالمئات من جنوده والمواطنين بمنطقة سيتي هال بارك (City Hall Park) بنيويورك لسماع كلمات رسالة وصلت للتو من فيلادلفيا التي احتضنت الكونغرس القاري الثاني. لاحقا، اتجهت هذه الجماهير المتحمسة نحو شارع برودواي وأحاطت بتمثال ملك بريطانيا جورج الثالث عند منطقة بولينغ غرين (Bowling Green) تمهيدا لإسقاطه.
تمثال جورج الثالث بنيويورك
من جهة ثانية، سجل هذا النصب التذكاري ظهوره بنيويورك عام 1770 بطلب من أهالي المدينة. فسنة 1765، احتج النيويوركيون على جملة من القوانين التي رفعت في حجم الضرائب وبتدخل من ملك بريطانيا جورج الثالث تم إلغاء هذه التشريعات الضريبية. ولرد جميل الملك حول مسألة الضرائب، اتجهت نيويورك لتشييد نصب تذكاري لجورج الثالث اعتمد على أساليب النحت الكلاسيكية وجسّد شخصية الملك جورج الثالث ممتطيا حصانه. وبسبب ذلك، شبّه كثير من المؤرخين تمثال الأخير بتمثال إمبراطور روما ماركوس أوريليوس (Marcus Aurelius).
وعام 1770، حلّ هذا النصب التذكاري بنيويورك قادما من لندن فاستقبل بحفاوة وحضر حفل تدشينه عدد هائل من مسؤولي وأهالي المدينة. وبرسائله لزوجته عام 1774، وصف السياسي والرئيس المستقبلي للولايات المتحدة الأميركية جون أدامز (John Adams) النصب التذكاري بالعملاق مؤكدا على وجوده فوق قاعدة رخامية عالية واعتماد النحاتين على كميات من الذهب لصناعته.
إسقاط تمثال جورج الثالث
إلى ذلك، لم تدم الفرحة بالتمثال كثيرا. فبعد عامين فقط عن رسالة أدامس، عمد بعض من أهالي نيويورك مدعومين بعدد من الجنود لمهاجمة وإزالة النصب التذكاري للملك جورج واتجهوا لاحقا لصهره وصنعوا من معادنه 42088 رصاصة، حسب مصادر معهد سميثسونيان (Smithsonian Institution)، استخدموها لمواجهة البريطانيين أثناء حرب الاستقلال. في الأثناء، تمكن جندي بريطاني من إنقاذ الرأس المقطوع للتمثال فأخفاه داخل حانة وتحدّث عن أضرار جسيمة لحقت بأنفه وآثار رصاصات عليه. في المقابل، أثارت هذه الواقعة غضب القائد والجنرال الأميركي جورج واشنطن الذي عبّر عن استيائه مطالبا بتوخي الحذر وتجنب مثل هذه الأعمال التخريبية مستقبلا.
توسع دائرة مهاجمة التماثيل
أثناء الأيام التالية، عمد المحتجون الأميركيون بنيويورك وبقية الولايات الثلاث عشرة لمهاجمة كل ما رمز للملك جورج الثالث والتاج البريطاني فأسقطوا التماثيل وأحرقوا اللوحات الزيتية التي جسدت الشخصيات البريطانية. فبورسستر بولاية ماساتشوسيتس أحرق المتظاهرون صور الملك بالشوارع وبفيلادلفيا حمل الأهالي رمز التاج البريطاني وتجولوا به بالشوارع وأقاموا استعراضا انتهى بحرقه أمام الملأ.
عادة إنجليزية
على حسب بعض المؤرخين، اتبع الأميركيون عقب إعلان الاستقلال عادة إنجليزية قديمة تمثلت في مهاجمة تماثيل رموز البلاد. فبعد عام من حادثة قطع رأس الملك تشارلز الأول عام 1649، أمر البرلمان الإنجليزي بقطع رأس تمثال الملك عند إكستشينج لندن وإزالة صولجانه.