بعد موجة جديدة من التظاهرات التي بدأت الجمعة واستمرت السبت في العراق، أكد متخصصون في الشأن العراقي بحديث لـ”العربيةنت” أن الشعب العراقي ينتفض لكرامته، مطالباً بإصلاحات قد تبدأ باستقالة الحكومة ولا تنتهي بانتخاب مجلس نيابي جديد.
وأضافوا أن تلك التظاهرات كشفت للمرة الأولى حجم الغضب من “التغلغل الإيراني” في البلاد، الذي أينما وجد رافقه انتشار للفساد والبطالة.
وعلى مدى اليومين الماضيين، نشرت مواقع التواصل الاجتماعي وكاميرات المتظاهرين العراقيين المحتجين على سوء الخدمات والفساد والبطالة مقاطع فيديو كثيرة ومتنوعة في مدن عدة، وهم يرددون هتافات رفضا للتغلغل الإيراني وتدخلهم الصارخ في شؤون بلادهم الداخلية وفرضهم الوصاية على القرار العراقي، ومن بين هذه الهتافات “بغداد حرة حرة إيران برا برا”، و”والبصرة حرة حرة وإيران تطلع برا”.
تظاهرات الجياع والكرامة والخلاص
وأكد محتجون عراقيون لـ”العربية.نت” أن تظاهراتهم هي تظاهرات الجياع والكرامة والخلاص من التبعية لإيران، وأن الذين خرجوا هم شباب عراقيون يرفضون العباءة الإيرانية أو العيش تحت نير قرارات طهران مهما كان نوعها أو حجمها.
وتكرر المشهد عينه في كربلاء، حيث رفعت شعارات مماثلة في الناصرية والديوانية وبابل وغيرها.
وكان آلاف عراقيين خرجوا للتظاهر في مدن عدة مؤكدين غضبهم إزاء انتشار الفساد الذي يفتك بالبلاد منذ 16 عاماً، مع ارتفاع كبير في معدلات البطالة ونقص الخدمات والتدخلات الإيرانية. وتظاهروا تحت عناوين كبيرة أهمها #نازل آخذ حقي و#نازلين_25 تشرين.
موضوع يهمك ? ارتفع عدد المحتجين في ساحتي رياض الصلح والشهداء وسط بيروت وفي ساحة النور بطرابلس (شمال لبنان) مساء الأحد، بحسب ما أفادت…
وبحسب مصادر اقتصادية فإن 22.5% من الشعب العراقي يعيشون بأقل من 2 دولار يومياً وخصوصاً في مدن المثنى والسماوة والبصرة الغنية بالنفط، كما أن البطالة بين القادرين على العمل وصلت إلى أكثر من 17 %..
غضب وإحباط متراكم
وفي هذا الإطار، قال الباحث في الشأن العراقي، غانم العابد، لـ”العربية.نت” إنها ليست المرة الأولى التي يعلن فيها أبناء محافظات جنوب العراق عن رفضهم للتغلغل الإيراني وتدخلهم في الشان العراقي وفرضهم الوصاية على القرار العراقي.
وأضاف أنه قبل سنتين، عندما خرجت المظاهرات في محافظة البصرة، رفعت الشعارات نفسها ضد الوجود والتدخل الإيراني في العراق، وتم اقتحام القنصلية الإيرانية وحرق صور لكبار رجالات الدين الإيرانيين ومنهم المرشد الروحي خامنئي.
وبدوره، اعتبر السياسي العراقي المستقل ناجح الميزان لـ”العربية.نت” أن كل الدول التي تعاني من انتشار الفساد والبطالة والدمار البنياني هي نفسها تلك التي يسيطر عليها النفوذ الإيراني، وهي نفسها التي تعاني من مشاكل سياسية، وهذا ما يحصل في العراق ولبنان واليمن وسوريا .
“التغول” الإيراني
كما أكد أن التظاهرات في العراق وفي لبنان هي تظاهرات شعبية حقيقية نابعة من معاناة الشعوب المطالبة بأبعاد “التغول” الإيراني فيها، حيث غابت عنها جميع الرايات والهتافات الجانبية والحزبية وكذلك الولاءات الأخرى. وأضاف أن الاحتجاجات الشعبية في لبنان ستدفع العراقيين وبقوة للتظاهر بشكل كبير، ولكن الفرق بين التظاهرتين معاملة العراقيين بقسوة وسقوط ضحايا، ومحاولة جرها للعنف لكي يقمعوها.
من جانبه، قال متختصص في الشأن العراقي عمر الجمّال لـ”العربية.نت” إن لكل مشروع سياسي قائم على فكر متطرف مدة زمنية محددة يسطو بها على العقول البسيطة، مستغلاً ضعف الوعي وانعزالهم عن العالم وتطوراته وتقدمه.
كما أكد أن المشروع الطائفي “ولاية الفقيه” لطالما استغل طيبة وبساطة الشارع العروبي الشيعي العراقي للهيمنة على مقدرات بلدهم، انتقاماً وثأراً لخسارات تكبدها قديما وحديثا على يد أبناء العراق الأصيلين، بالإضافة لطمعه في أرضهم المقدسة الزاخرة بالخير الوفير.
وأضاف أن الاستعداد لمواجهة الاختلاف في الرأي بالعنف وفرض المُعْتقَد على الآخرين ولو بالقوة، أدى لانهيار هذه المنظومة المتطرفة بهذا الشكل.
انهيار منظومة التطرف
بدوره، قال الخبير في شؤون الجماعات المسلحة والمحلل الاستراتيجي فاضل أبو رغيف لـ”العربية.نت” إن إيران لها الكثير من المؤيدين بالعراق، لاسيما في الجنوب فضلاً عن أن أغلب الفصائل التابعة للحشد تؤيد إيران، ولكن بسبب حساسية موقع إيران التاريخي والصراعات المزمنة، ولدت حالات مختلفة ومتباينة بين أفراد الشعب.
وأضاف أن استهداف القنصلية الإيرانية أو إنزال العلم الإيراني لا يعد مؤشرًا حتميًا لعلاقة سيئة بين إيران والعراق، لكن هناك جيلا شبابيا معاصرا قد يتأثر بثقافات غربية اتجاه إيران، فضلا عن أن التظاهرات أفرزت بعض العشوائيات السلوكية التي أدت لهذه التصرفات.
من جانبه، قال المتخصص في الشأن العراقي عامر الكبيسي لـ”العربية.نت” إن ما يحصل في الجنوب العراقي ما هو إلا بدايات وهي أقل من ثورة أو انتفاضة. وأضاف أن إيران ذكرت كثيرا، ولكن المطالب إصلاحية بالأساس، ويبدو أن المعادلة تتغير من بغداد، وبدرجة أقل من البصرة وأن الشيعة في العراق وطنيون، وغالبيتهم العظمى ضد الأحزاب، وشعبية الحكومة في أدنى مستوياتها عندهم، “وهم مثل كل شعبنا العراقي يعانون حاليا، ويعتبرون أنفسهم فئة مهمشة، بعد أن سيطرت الأحزاب على كل شيء في البلد”.