على وقع استمرار الانتفاضة الشعبية في لبنان من دون مؤشرات تلوح في الأفق السياسي حول قرب تشكيل حكومة جديدة بعد مرور أكثر من 25 يوماً على استقالة رئيس الوزراء، سعد الحريري، بدأ القضاء يتحرك للتحقيق في ملفات تدور حولها شبهات فساد وهدر للمال العام، وهو المطلب الأساسي الذي دفع اللبنانيين للنزول إلى الساحات للمطالبة بمحاكمة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة.
ومن ضمن الملفات التي يُحقق فيها القضاء، الهدر واختلاس الأموال العامة في وزارة الاتصالات والمقدرة بالمليارات، إذ ادعى النائب العام المالي، القاضي علي ابراهيم، على وزراء الاتصالات السابقين: نقولا صحناوي وبطرس حرب وجمال الجراح بجرائم الاختلاس وهدر المال العام. وطاول ادعاؤه أيضاً مديري شركتي “ألفا” و”تاتش” المشغلتين لقطاع الاتصالات بجرم هدر واختلاس المال العام ومدير عام هيئة “أوجيرو”، عماد كريدية، بجرم الإثراء غير المشروع.
لم أتبلغ الادعاء
كما أوضح الوزير والنائب السابق بطرس حرب لـ”العربية.نت” أنه لم يتبلغ حتى الآن ادعاء القاضي ولم يتلق اتصالاً بهذا الشأن، لافتاً إلى أن “الأمر كما يبدو لا يزال في سياق المعلومات الصحافية”.
ويستند ادعاء القاضي على حرب والصحناوي في ملف دعم الجمعيات خلال توليهما وزارة الاتصالات.
وقال حرب: “إذا كان الادعاء بسبب دعم جمعيات فهذا أمر مؤسف، وقد دعمتها لأنها ذات أهداف ثقافية”، مشيراً إلى أن مدعي عام التمييز أبلغه أن لا ادعاء وإنما طلب بإحالة الملف إلى مجلس النواب (لرفع الحصانة النيابية عن النواب)، لأنه وبحسب الأصول القانونية لا يحق للمدعي العام المالي الادعاء على وزراء إلا أمام القضاء الجزائي وهو ما طلبه شخصياً “لأنه لا يوجد شيء اسمه حصانة للوزير”.
الادعاء مزحة!
ويعني ادعاء القاضي إحالة الوزراء الثلاثة إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهي محكمة غير موجودة واقعاً في لبنان لكون أعضائها غير معينين أصلاً، وهو ما اعتبره حرب “أكبر مزحة”.
ويأتي قرار المدعي العام المالي بعد أكثر من شهر على طلبه الاستماع إلى إفادة وزراء الاتصالات الثلاثة الذين تعاقبوا على الوزارة في السنوات الأخيرة، وهم بحسب الأقدمية: بطرس حرب (محسوب على فريق 14 آذار المناهض لسياسة حزب الله) وجمال الجراح (ينتمي إلى “تيار المستقبل” بزعامة سعد الحريري) ومحمد شقير (ينتمي أيضاً “لتيار المستقبل”).
إلى ذلك، حضر حرب مطلع أكتوبر/تشرين الأول الفائت إلى مكتب القاضي علي ابراهيم وأدلى بأقواله عن فترة توليه الوزارة، إلا أن استدعاء شقير والجراح أثار موجة اعتراض بعد رفضهما الحضور لأن برأيهما هناك “كيدية سياسية” في الموضوع، وأن التحقيقات بملف الاتصالات يجب أن تشمل كل الوزراء الذي تعاقبوا على الوزارة من ضمنه جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية ونقولا صحناوي من التيار الوطني الحر).
واستغرب حرب كيف أن القاضي ادعى عليه في ملف دعم الجمعيات في حين أنه لم يسأله عن هذا الملف عندما حضر الوزير السابق إلى مكتبه الشهر الفائت وإنما سأله عن أمور أخرى.
كما عقد الجراح مؤتمراً صحافياً اعتبر فيه أن “المدعي العام المالي لم يحافظ على سرية التحقيق، بل قام بالتسريب بشكل مغلوط للإعلام. وادعى على الوزراء ولا حق له بالادعاء، بل عليه أن يُحيل الملف على المدعي العام التمييزي، ويطلب الاتهام. وبدوره، يحيله على مجلس النواب من خلال وزير العدل، ويقرر مجلس النواب الاتهام”.
وقال: “عندما كنت وزيراً للاتصالات، ذهبت إلى القاضي علي ابراهيم، واللافت كان حضور ابنه جلسة الاستماع. وهنا، أنا أضع الأمر برسم التفتيش القضائي، أليس هناك سرية لجلسات التحقيق والاستماع والمداولات؟ المتهم بريء حتى تثبت إدانته، فابراهيم سرب للإعلام بأنه ادعى، ولا يحق له بأن يدعي، ولم يدع أساساً، بل يحق له أن يطلب من مدعي عام التمييز الاتهام، والأخير لم يدع حتى الآن”.