المصدر:البيان
أعلن قصر الإليزيه أنّ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، اعترف، الثلاثاء، بأنّ المحامي والزعيم القومي الجزائري، علي بومنجل “تعرّض للتعذيب والقتل” على أيدي الجيش الفرنسي خلال الحرب الجزائرية في 1957 ولم ينتحر كما حاولت باريس تصوير الجريمة في حينه.
وقالت الرئاسة الفرنسية إنّ ماكرون أدلى بنفسه بهذا الاعتراف “باسم فرنسا” وأمام أحفاد بومنجل الذين استقبلهم الثلاثاء، وذلك في إطار مبادرات أوصى بها المؤرّخ، بنجامان ستورا، في تقريره حول ذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر، التي وضعت أوزارها في 1962، وما زالت حلقة مؤلمة للغاية في ذاكرة عائلات ملايين من الفرنسيين والجزائريين.
وكان علي بومنجل ناشطا سياسيا ومحاميا مشهورا عضوا في حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري الذي أسسه عام 1946 فرحات عباس (أول رئيس للحكومة الموقتة للجمهورية الجزائرية)، وبذلك أصبح مدافعًا عن المناضلين الجزائريين متّبعا خطى شقيقه الأكبر، أحمد، المحامي هو أيضا.
ومنذ أكثر من 63 عاما، ادعت فرنسا أن بومنجل “انتحر”، إلا أن عائلته أصرت بأنه تعرض للاغتيال واتهمت باريس بالكذب، وطالبت، مدعومة بناشطين فرنسيين، بإعادة الاعتبار له والكشف عن الحقيقة.
وروت ابنة شقيق الزعيم الجزائري، فضيلة بومنجل شيتور، وهي أستاذة في الطب وناشطة في مجال حقوق الإنسان، في حديث مع وكالة فرانس برس، يناير الماضي، بعاطفة كبيرة ذكرى عمّها الذي “رسم” موته فترة مسار مراهقتها.
وندّدت فضيلة، التي تعدت السبعين من العمر، بـ “كذب دولة (فرنسا) الهدّام” وهي تروي قصة اغتياله للوكالة بكثير من الغضب، فقد تُوفّيت أرملته وأحد أبنائه ووالديه وإخوته دون الكشف عن الحقيقة رسميًا.
وقالت فضيلة بومنجل، في شهادتها، إنه “كان عالماً ومفكراً يحب قراءة قصائد فيرجيل (شاعر من العهد الروماني) أو الحديث عن الرسم ويرقص الفالس”.
“لقد كان متفوقا في الرياضيات، ودرس الحقوق لأنه الاختيار الوحيد، كما كان يحب أن يقول، لأنه في ذلك الوقت لا يمكن (للجزائريين) دخول المدارس العليا”.
وكانت السلطات الفرنسية في الجزائر اعتقلت بومنجل خلال “معركة الجزائر” العاصمة بين يناير وأكتوبر 1957، بعد تدخل القوات الخاصة للجيش الاستعماري لوقف هجمات جبهة التحرير الوطني.
وروت فضيلة بومنجل قائلة “عندما علمنا باعتقاله في 9 فبراير 1957، كان والدي آنذاك محامياً في باريس. أتذكر كيف أن مجرد إعلان اعتقاله شكل صدمة كالصعقة الكهربائية لوالدي”.
“كان يدرك أنه بالنظر إلى القمع المروع في ذلك الوقت، فإن الخطر يُحدق بأخيه الأصغر. لم يتوقف عن تنبيه السلطات المدنية والدينية في فرنسا عن طريق إرسال برقيات تندد باعتقاله التعسفي وغياب المعلومات”. وكتب حتى للرئيس الفرنسي حينذاك، روني كوتي، وفق “قناة الحرة”.
وفي نهاية فبراير عام 1957، عرفت العائلة أنه نُقل إلى مستشفى مايو العسكري (في باب الواد بالجزائر العاصمة)، وعن هذه اللحظة تقول فضيلة: “علم والدي أنه حاول الانتحار بزجاج نظارته. كان ذلك مروعا”.
وتتابع “ما زلت أتذكر إلى اليوم، تاريخ الأحد 23 مارس، عندما سمعت صوت جدي. صوت فارغ، صوت متغيّر عن ذلك الذي ألفته. هو الذي كان حنونًا جدًا قال لي ببساطة: من فضلك هاتفي والدك ودعيني أحدثه. أتذكر رد فعل والدي الذي صدم بالخبر إذ كان الأكبر سناً وشعر بالمسؤولية”.
وتم استدعاء طبيبين من الأسرة للتعرّف على الجثة “وتأسف جدّاي لأنهما لم يتمكنا من توديعه إذ تم تشميع نعشه”. وما أزعج الأسرة هو أنه حتى اعتراف الجنرال بول أوساريس، تمت تغطية موت علي بومنجل على أنه انتحار.
وتقول فضيلة: “لقد أوهمونا بأنه ألقى بنفسه من مبنى في حي الأبيار، آمل أن يكون قد مات بالفعل قبل السقوط. كان عمره 38 سنة”.
وقد دعا المؤرخ الفرنسي بنجامان ستورا إلى إعادة الاعتبار لبومنجل، وفق تقرير حول الاستعمار وحرب الجزائر (1954-1962).