من وحي الألم يولد الإبداع.. شارك الفنان التشكيلي إبراهيم شلبي عضو مجلس إدارة نقابة التشكيليين في المعرض العام في دورته الـ 44 الذي افتتحته الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة الاثنين الماضى بعمل فني جديد من نوعية “تجهيز في الفراغ” بعنوان “عزل.. تجربة ذاتية” ورغم أن هذه هي المرة السابعة التي يشارك بها الفنان في المعرض العام إلا أنها المرة الأولى التي يشارك بهذا في مجال النحت بدلًا من التصوير الزيتي.
وقال الفنان التشكيلي إبراهيم شلبي في حوار خاص لـ اليوم السابع”: أن العمل بالنسبة لى يعد أول تجربة نحت “تجهيز في الفراغ” والذي يضم النحت والرسم والتصوير، وهو تجربة ذاتية مررت بها في فترة جائحة كورونا في عام 2021 عندما أصبت بالمرض وشعرت بكم العقاقير التي يتناولها المريض، قبل ذلك المرض كنت كغيري كلما أشعر بصداع اتناول قرص دواء وكلما يستمر العرض اتناول أدوية أخرى، وبسبب تحذيرات المختصين أن تناول العقاقير بكميات كبيرة يؤثر سلبيًا على المعدة فكنت أنزعج عندما أتناول ولو قرص واحد من الدواء.
وتابع إبراهيم شلبي، أن عندما أصبت بمرض كورونا كنت أتناول العقاقير بكميات كبيرة تصل إلى خمسة عشر قرص كل ثلاثة ساعات أو أكثر، وهو عدد كبير جدًا، كما أنني كنت أجلس في غرفة منفصله داخل منزلي ومن الممنوع أن يتم أي احتكاك أو تعامل مباشر بيني وبين أي شخص أخر على مدار اليوم كله، فكلما وددت الذهاب إلى أي غرفة أو أبسط الأشياء التي يقوم بها الشخص في يومه كنت أجد الجميع يتجنبني لعدة إصابته بالعدوى، وهو ما أشعرني بثقل المرض أكثر.
وأضاف التشكيلي إبراهيم شلبي: في موضوع كورونا كنت أرى أن الجسد هو الذي يحتوى المرض، على عكس الروح سليمة معافاة، فكنت أتمنى أن اتخلص من جسدي باعتباره سبب السجن بالنسبة لي، فكيف أتخلص منه حتى أعود مرة أخرى لحياتي الطبيعية بدون علاج أو أمراض، وتلك هي أمنية المريض الدائمة أن يتخلص من جسده، ولذلك في عملي هذا قدمت رأس دون جسد، وعند تآكل الرأس بسبب كثرة العلاج، ظهرت العقاقير التي كان يتناولها المريض خلال فترة علاجه، وعلى جانب العمل تجد مئات من النشرات الداخلية للأدوية التي يلجأ إليها المريض لمعرفة دواعي الاستعمال والأثار الجانبية لكل دواء، كما أنه يبحث عن أي أمل للنجاة والنجاح والشفاء.
ومع كمية العقاقير التي تناولتها خلال فترة مرضي بوباء كورونا ونشرات الأدوية التي قرأتها ترسب في نفسي الشعور؛ فوددت التعبير عنه في عمل فني، في البداية فكرت أن أنفذه في هيئة عمل أدبي، ولكني أدركت أنني ليس لدي القدرة على الكتابة فأنا لست بكاتب وهذا ليس مجالي الذي أبدع فيه، ولذلك من الأفضل أن أنفذه في هيئة رسم وهو تخصصي أو نحت، فعملت على مشروع “تجهيز في الفراغ” الذي أشارك به في المعرض العام في دورته الحالية والذي أعبر من خلاله عن تلك الفترة التي مررت بها والشعور الذي لازمني خلال تلك الفترة.
بسبب عمق العمل وحرصي على إخراجه بهذا الطريقة فقد وصل إلى قلوب الكثير وشعروا به ولفت انتباههم، ولو لم أعيش التجربة بنفسي لما استطعت أن أخرجه بهذا العمق، ورغم أنني عملت الكثير من التجارب السابقة لكنهم لم يكونوا بكفاءة هذا العمل الذي رغب الكثير من مشاركي المعرض العام أن يشاهدوه ويصوروه ويلتقطوا مع الصور كما أبدوا إعجابهم بالفكرة.
وتابع التشكيلي إبراهيم شلبي: أما عن المعرض العام في دورته الـ 44 الحالية فقد شهدت اختلافا ملحوظا، وقد جاء ذلك الاختلاف من أكثر من ناحية، كانت أولهم أن الاختيار الكتروني، وبالإضافة إلى القاعات التي تم إضافتها للمعرض هذا العام ليكون إجمالي عدد القاعات ست قاعات بدلًا من قاعة عرض واحدة، وهو ما ساعد على وجود مساحات أكبر لتنفيذ المشاريع الخاصة بالفنانين المشاركين بالمعرض وهو ما ساعدني على الحصول على تلك المساحة التي قدمت بها العمل الخاص بي، وذلك بالإضافة إلى دعوات تصوير الأعمال وهو ما يساعد على رؤيته بشكل أفضل وعلى نطاق أوسع.
وجاء في اللوحة التعريفية للعمل الفني “عزل… تجربة ذاتية” على لسان الفنان التشكيلي إبراهيم شلبي: كنت أنزعج من تناول حبة دواء تخلصني من صداع كان يعاودني مرة كل شهر أو شهرين.
الآن أرقد وحدي على سرير في عزل، بين أطنان الحبوب، أحرث الصمت العميق بلا رحمة، لا أرى غير جدران العزل وقد ملئت بأقراص الدواء، إنها شاسعة كالمكان خالدة كاللانهاية.
كيف الهروب إذا كان جسدي هو السجن؟، كيف أتخلص منه وأعود كما كنت بلا أدوية….. بلا علاجات؟
أبحث بشكل محمود بين نشرات الدواء للعصور على بصيص أمل خافت من ضوء سينطفئ في النهاية، إن لم يكن بالاستسلام للفيروس، فمن وحدة العزل ثم الموت في نهاية المطاف.
وافتتحت الدكتورة نيفين الكيلاني، وزيرة الثقافة، فعاليات الدورة 44 للمعرض العام، الاثنين الماضى 10 يونيو، والتي ينظمها قطاع الفنون التشكيلية، برئاسة الدكتور وليد قانوش، وشهدت الحفل الذي أقيم بهذه المناسبة على مسرح النافورة، بساحة دار الأوبرا المصرية، بحضور السفيرة فوزية بنت عبد الله زينل، سفيرة مملكة البحرين بجمهورية مصر العربية، والشيخ الفنان راشد بن خليفة آل خليفة رئيس المجلس الوطني للفنون بمملكة البحرين، ضيف شرف هذه الدورة، و الفنان سامح إسماعيل القيم الفني للمعرض.
وتشهد هذه الدورة من المعرض مشاركة 300 فنان،و تمتد عروض الأعمال الفنية للمرة الأولى، لتشمل 6 قاعات عرض هي :”الباب، صلاح طاهر، قصر الفنون، مركز الهناجر للفنون، نهضة مصر، إيزيس”، و تستمر فعاليات المعرض حتى 31 يوليو 2024، ويتخللها العديد من الأنشطة والندوات والفعاليات التي أُعدت واختيرت للبرنامج الثقافي المصاحب.