[ad_1]
ثار الثوار وحارب المحاربون وقاوم القاومون وفقدت البشرية خلقٌ كثير رغبة منها لإيجاد طرق سياسية أكثر عدلاً لإدارة الأوطان والتخلص من الديكتاتوريات التاريخية. إبتكر الإغريق الديموقراطية في القرن الخامس قبل الميلاد -بنسخة مبسطة- ومرت بتطورات كبيرة في بعض مفاهيمها وتطبيقاتها بعد إندماج بعض الممالك الأوروبية وقيام الثورة الفرنسية وتبني الولايات المتحدة لهذا النظام السياسي الجديد لإدارة البلاد.
المبدأ الأساسي الذي نشأت وبُنيت عليه الديموقراطية هو حرية الإختيار للمواطن لمن يدير البلاد وايضاً كيف يديرها بدون إجبار ولا إرهاب ولا إرغام بقصد أو بغير قصد. لهذا السبب، كسبت الديموقراطية شعبية واسعة في أوساط السياسيين وبدأت بالإنتشار بين الدول -بعضها بالقوة- بشكل كبير بسبب إقتناعهم بأنها النظام السياسي الأصلح في العالم. ونظراً لقوة مبادئها، أصبح حتى من لايطبقها يدعي تطبيقها نهاراً ويلتف عليها ليلاً.
حجر الزاوية في هذا النظام هو الفرد المواطن فعليه يتقاتل السياسيين وإليه تمتد إيديهم وتجاهه ترسل الوعود الإنتخابية أملاً في الحصول على ما يريدونه منه وهو صوته. فبقدر قدرة السياسي على الوصول له تزداد فرص نجاحه في تحقيق هدفة; وهنا مربط الفرس.
ورطة فيسبوك التي وأوقعتها فيها شركة كامبريج اناليتكا المتخصصة في تحليل البيانات بعد حصولها على بيانات عشرات الملايين من المواطنين الأمريكيين بدون علمهم وإستخدامها في الإنتخابات أربك إيمان بعض الدول العميق بالديموقراطية. حيث أن وسائل التواصل الإجتماعي تلك غيرت قواعد اللعبة بالكامل في العملية الإنتخابية حيث أصبح من يملك تلك البيانات الطرف الأقوى والأكثر تأثيراً والأقرب للفوز بسبب أنه أصبح من السهل عليه إستهدافهم والتأثير عليهم بشكل فعال جداً. فَهِم بعض السياسيين هذا المنحنى الخطير في العملية الديموقراطية فدخلوا في عوالمها بطريقة أو بأخرى حيث أن كبير مستشاري الرئيس الأمريكي ترمب للإستراتيجيات هو نائب رئيس شركة كامبريج اناليتكا وقد أعترف بأنه ساعد في بناءها وهذا التداخل بين العالم السياسي والعالم الرقمي ينبئ بإن الأمر في غاية الخطورة.
الخطورة هنا تكمن في أنه أصبح بمقدور من يملك البيانات إستهداف الناخبين بطريقة لم يسبق لها مثيل وهنا تختطف الديموقراطية. فحينما تصل للشخص المناسب وتستهدفه بالرسالة المناسبة وفي الوقت المناسب بناءاً على معلومات مسبقة “تملكها” عن إهتماماته وتوجهاته ومشاكلة، فانت هنا تستطيع توجيه رأيه وسلب صوته بدون حتى أن يشعر بذلك. عمليات الإستهداف الرقمية الدقيقة هذه يتداخل فيها ثلاثة علوم مختلفة وهي علم البيانات، وعلم الإجتماع وعلم النفس بالإضافة لكونها تدور في فلك العلوم السياسية.
إستدعاء الكونغرس الأمريكي للرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زكربيرغ لإستجوابه يدل على أن القضية سياسية وليست تقنية. إتخذ الكونغرس هذه الخطوة في محاولة منه لفهم ماذا يجري على الأنترنت وكيف تسير الامور هناك للبدء بشكل جدي في دراسة ماذا يمكن عمله لتنظيم أعمال شركات الإنترنت. لذلك تم سؤال السيد مارك عن ماذا إذا كان فيسبوك يرغب برؤية تنظيمات وتشريعات لتنظيم أعمالهم. كان رده بنعم لطالما أنها تخدم الجميع، اي المجتمع والشركة.
أخيراً، أعتقد ان المشرعين الأمريكان سيتصادمون مع شركات الأنترنت التي تقدم خدماتها بشكل مجاني لأن نموذج عملهم قائم بشكل أساسي على كيفية الإستفادة المادية من بيانات المستخدمين. قد تزداد حدة التصادم بشكل كبير بسبب أن الشركات لها قوة كبيرة جداً في الإقتصاد الأمريكي بالإضافة إلى أنها العامل الاول في التفوق والقيادة العالمية الرقمية مما يعني أنها سترفض وبشدة التشريعات التي قد تؤثر على نماذجهم الربحية التي في أغلب احوالها هي بيع البيانات لمن يحتاجها.
هذا يعني أنه قد يكون من غير الممكن موائمة مابين مبادئ الديموقراطية وتلك الشركات التي تملك البيانات الضخمة عن مليارات البشر مما يؤدي إختطاف الديموقراطية التي طالما تغنت بها تلك الدول التي تطبقها.
الكاتب: عبدالله السعدي متخصص بالتقنية واستثماراتها وريادة الأعمال مهتم بالتجارة الذكية والتسويق والإقتصاد الجديد. يخصص بعض الوقت للتطوع لخدمة المجتمع والاعلام .
@saadineur
[ad_2]
Source link